سوريا بعد الحرب

Published on 1 April 2025 at 08:33

سوريا بعد الحرب

 

أمة تنفض غبار الجراح وتنهض من تحت الركام

بعد أكثر من عقدٍ من النزيف والجراح، ها هي سوريا تفتح عينيها على واقعٍ جديد، تتلمس ملامحه بين الحطام، وتبحث عن مخرجٍ من نفقٍ طويلٍ أغرقها في ظلمات الفقد والتشظي. لم تكن الحرب في سوريا مجرد نزاعٍ سياسيٍ أو صراعٍ على السلطة، بل كانت عاصفةً اقتلعت جذور المجتمع، وزلزلت أرضه، ومزّقت نسيجه، حتى بدا وكأنّ كل شيء قد تهدّم، من الحجر إلى الروح.

لكنّ الشعوب لا تُقاس فقط بما أصابها من مآسٍ، بل بقدرتها على الوقوف من جديد. وسوريا، بتاريخها الضارب في القدم، وحضارتها الممتدة من أوغاريت إلى دمشق، لم تكن يوماً أرضاً تستكين للهزيمة، ولا شعباً يرضى بالاندثار. فها هي اليوم، رغم الألم، تبدأ رحلة الترميم لا للجدران فقط، بل للقلوب والعقول، ولما تبقى من الإنسان السوري في كل صوبٍ وحدب.

بعد الحرب، تغيّرت سوريا كثيراً. مدنٌ تهدمت، عائلاتٌ تشردت، وأجيالٌ نشأت في ظل الحرب لم تعرف غيرها واقعاً. لكن ما لم يتغيّر هو نبض الحياة الذي ظلّ يخفق في قلب السوري، في تمسّكه بأرضه، وفي عناده على البقاء، وفي ابتسامةٍ يُخرجها رغم أنف الركام.

غير أنّ التحديات جسام. فالأعمار لا يكون بالإسمنت وحده، بل بإعادة بناء الثقة، وجبر ما تكسر في النفوس، وإعادة وصل ما انقطع بين أبناء الوطن الواحد. المصالحة الحقيقية لا تُفرض بالقوة، بل تُبنى على الاعتراف، والمصارحة، والنية الصادقة في تجاوز الماضي دون نسيانه، والعمل من أجل مستقبلٍ لا يكرر مآسي الأمس.

سوريا بعد الحرب ليست كما كانت، ولن تعود كما كانت، لكنها قادرة أن تكون شيئاً أجمل، إن توفرت الإرادة، وتضافرت الجهود، وسُمح للسوري أن يكون سيد مصيره، لا رهينة صراعات الآخرين.

إن التاريخ لا ينسى، لكنه يمنح دائماً فرصةً جديدة. وسوريا اليوم أمام مفترق طرق: إما أن تكون أسيرةً لماضيها، أو أن تسير بثقةٍ نحو غدٍ تصنعه بعرق أبنائها ودموع أمهاتها. والخيار، وإن بدا صعباً، لا يزال في متناول اليد.

Add comment

Comments

Abdelsalam
8 days ago

جميلة جداً

Ola
8 days ago

جميل المقال 🌹

Khalid
7 days ago

جميل 💚

Ibrahim Ghanuom
6 days ago

سوري ستنهض بفضل ابنائها
جميل