أصالة عروبة سوريا عبر التاريخ
سوريا، قلبُ المشرق العربي النابض، وأرض الحضارات التي تعاقبت عليها الأمم، بقيت رغم الزمان والمحن، حاملةً لواء العروبة ومهدًا للهوية العربية الأصيلة. فمنذ فجر التاريخ، لم تكن سوريا مجرّد رقعة جغرافية على خارطة العالم، بل كانت موئلًا للأمم، ومسرحًا للثقافات، ومنبرًا لصوت العروبة الخالد.
سوريا في مهد التاريخ
منذ العصور القديمة، عُرفت سوريا بأرضها الخصبة وموقعها الاستراتيجي، ما جعلها محطّ أنظار القوى الكبرى عبر العصور. ومنذ الألف الثالث قبل الميلاد، سطعت نجم ممالك عمورية، وأوغاريت، وإيبلا، التي خطّت أقدامها في تراب التاريخ ودوّنت أولى أبجدياته. وكانت اللغة السامية، القريبة في جذورها من العربية، حاضرة في هذه الممالك، شاهدةً على التلاحم بين الأرض واللسان، بين سوريا والعروبة.
الفتوحات الإسلامية ورسالة العروبة
ومع بزوغ فجر الإسلام، كانت سوريا أولى البلاد المفتوحة بعد الجزيرة العربية، ودخلت في كنف الدولة الإسلامية في عهد الخلفاء الراشدين. ومنذ ذلك الحين، أصبحت دمشق عاصمةً لأول دولة عربية إسلامية جامعة، هي الدولة الأموية، التي مدّت جناحيها من الصين شرقًا حتى الأندلس غربًا. وفي دمشق خُطّت السياسات، ونُسجت الفتوحات، وازدهرت اللغة العربية شعرًا ونثرًا وعلومًا.
اللغة والهوية في مواجهة التغريب
رغم ما مرّ على سوريا من احتلالات وغزوات، بدءًا من الصليبيين والمغول، وصولًا إلى العثمانيين ثم الاستعمار الفرنسي، لم تندثر عروبة الأرض، ولم تنكسر هوية الإنسان السوري. بل كانت اللغة العربية دومًا سلاحًا ثقافيًا، وأداة مقاومة، ووعاءً للوجدان الجمعي. وفي العصر الحديث، برزت دمشق وحلب وسائر المدن السورية كمراكز لإحياء الفكر العربي، وصدح صوت المفكرين والأدباء والسياسيين المنادين بوحدة العرب وتحررهم.
عروبة متجذّرة لا تندثر
إن عروبة سوريا ليست شعارًا سياسيًا، ولا موروثًا طارئًا، بل هي انتماء حضاري ضارب في عمق التاريخ، متجذر في الثقافة واللسان والدين والعادات. هي عروبة لا تذبل مهما تعاقبت عليها الخطوب، ولا تندثر رغم المحاولات الخارجية لشطبها أو تشويهها.
فمن جبال الساحل إلى بادية الشام، ومن سهول حوران إلى ضفاف الفرات، تنبض سوريا بعروبتها، شامخة بهويتها، صامدة في وجه الرياح.
Add comment
Comments